الأحد، 16 مايو 2010

تعريف البلاغة:

بسم الله الرحمن الرحيم

http://www.hor3en.com/doros/athary/fawaselLoghaArabeyya/04.gif

هذا العلم قسم واسع من علوم اللسان العربي الذي هو لسان الإسلام وقلمه، وهو من العلوم المخترعة التي استفيدت من استقصاء العلماء وتتبعهم لأحوال اللسان العربي، وما يكون عند العرب وفي عرفهم فصيحاً بليغا،ً يوافق طباعهم السليمة، ويؤدي إلى أرق المعاني وأجمعها وأجملها.

تعريف البلاغة:

والبلاغة ابتداء في لغة العرب ـ كما في المعجم الوسيط ـ حسن البيان وقوة التأثير.

وهي عند علماء البلاغة: علم تدرس فيه وجوه حسن البيان، ومن هنا، فإن علوم البلاغة لعبت دوراً كبيراً في تاريخ العرب من حيث تخليد البلغاء وضربهم للناس أمثلة يحتذون بها، ورفع شأن المتكلم أوالخطيب أوالشاعر بحسب قربه أو التصاقه بقواعد البلاغة وقوانينها.

يقول صديق بن حسن القنّوجي في كتابه (أبجد العلوم): علم البلاغة عبارة عن علم البيان والبديع والمعاني.

والغرض من تلك العلوم: أن البلاغة سواء كانت في الكلام أوالمتكلم رجوعها إلى أمرين:

أحدهما: الاحتراز عن الخطأ في تأدية المعنى المراد..

والثاني: تمييز الفصيح عن غيره.

البلاغة.. والبيان .. والبديع:

ولاشك أن البلاغة ذات علاقة وثيقة بعلوم متن اللغة والنحو والصرف فتلك علوم عربية أوضح ماتكون للمتأمل، ولكن علوم البلاغة إنما اختصت بجانب آخر وهو جانب الاحتراز عن الخطأ في تأدية المعني المراد، ومن هنا نشأ علم المعاني، وكذلك الاحتراز عن التعقيد المعنوي ـ ومن هنا نشأ علم البيان ـ وإلى المحسنات اللفظية ومن هنا نشأ علم البديع.

ولنتناول كل واحد من تلك العلوم على حدة.

http://www.hor3en.com/doros/athary/fawaselLoghaArabeyya/04.gif

1 ـ علم المعاني:

وهو تتبع خواص تراكيب الكلام ومعرفة تفاوت المقامات حتى لا يقع المرء في الخطأ في تطبيق الأولى على الثانية.

وذلك ـ كما في أبجد العلوم ـ لأن للتراكيب خواص مناسبةً لها يعرفها الأدباء، إما بسليقتهم، أو بممارسة علم البلاغة، وتلك الخواص بعضها ذوقية وبعضها استحسانية، وبعضها توابع ولوازم للمعاني الأصلية، ولكن لزوماً معتبراً في عرف البلغاء، وإلا لما اختص فهمها بصاحب الفطرة السليمة ...وكذا مقامات الكلام متفاوتة، كمقام الشكر والشكاية، والتهنئة والتعزية، والجد والهزل، وغير ذلك من المقامات... فكيفية تطبيق الخواص على المقامات تستفاد من علم المعاني.
ومداره على الاستحسانات العرفية.

مثال علم المعاني:

ولعل من هذا القبيل ماوري أن أعرابياً سمع قارئاً يقرأ قوله سبحانه: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالاً من الله والله غفور رحيم}(المائدة/38) فاستنكر منه ختام الآية بصفة الرحمة والمغفرة، حتى تنبه القارئ إلى خطئه فأعاد القراءة على الصحيح :{ والسارق والسارقة ... والله عزيز حكيم} كما نزلت في كتابه الله، عند ذلك قال الأعرابي الآن: استقام المعنى.

فلا يستحسن في مقام العقوبة، وتهديد السارق بقطع يده، والأمر بذلك إن سرق إلا أن يقال( والله عزيز حكيم) حيث يوصف الرب سبحانه بالعزة، التي منها أن يأمر بما يشاء بمن يخالفه، ثم بالحكمة التي منها أن لا تزيد العقوبة عن مقدارها أو تنقص عنه، بل تكون مساوية للذنب ومقاربة.

ومن هذا القبيل أن لا يتفاخر إنسان في مقام الاستجداء والسؤال، وأن لا يمدح من يشكو إلى من هو أكبر منه، ولا يضحك في مقام التعزية، وأن لا يعبس أو يقطب في خطبته أو كلامه أو شعره في مقام التهنئة.

http://www.hor3en.com/doros/athary/fawaselLoghaArabeyya/04.gif

2 ـ علم البيان:

وقد عرفه صاحب كشاف اصطلاحات الفنون بقوله: علمُُ يعرف به إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة في وضوح الدلالة عليه..

يقول ابن خلدون في مقدمته: ألا ترى أن قولهم (زيد جاءني) مغاير لقولهم ( جاءني زيد) من قبل أن المتقدم منهما هو الأهم عند المتكلم، فمن قال: جاءني زيد، أفاد أن اهتمامه بالمجيء قبل الشخص المسند إليه، ومن قال: زيد جاءني أفاد أن اهتمامه بالشخص قبل المجيء المسند، وكذا التعبير عن أجزاء الجملة بما يناسب المقام من موصولٍ أو مبهمٍ أو معرفة.

من أمثلة البيان القرآني:

ولقد قال الله سبحانه في كتابه: { ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم } (الإسراء/31) وقال أيضاً في مقام آخر: { ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم } (الأنعام/151) فلما ذكر الخوف من الفقر مستقبلاً ( خشية إملاق) ولم يذكر وقوعه فعلا،ً قدم رزق الأولاد على آبائهم، من حيث إن الله سبحانه قد رزق الآباء حالياً، لكنهم يخشون الفقر إذا كثر أولادهم، ولما ذكر في الآية الأخرى وقوع الفقر( من إملاق) دعاهم إلى عدم قتل أولادهم، وقدم سبحانه رزقه لهم على رزق أولادهم، حيث يُخشى قتلهم أولادهم لقلة رزقهم الحالي.

ومثل هذا يعد من أرفع أنواع البيان الذي تميز به القرآن فيما خاطب به العرب من بني الإنسان...

ومن هذا القبيل استخدام الاستعارة والكناية والتشبيه والتمثيل وغير ذلك.

http://www.hor3en.com/doros/athary/fawaselLoghaArabeyya/04.gif

3 ـ علم البديع:

وهو يشبه بالنسبة للبلاغة العربية كل ما يستخدمه الناس لتجميل أشيائهم تجميلاً ظاهرياً، يلفت الأنظار، ويحرك الأفكار، ويثير الإعجاب، ويطرب الألباب.

تعريف البديع:

وهو علم تُعرف به وجوهُُ تفيد الحسن في الكلام بعد رعاية المطابقة لمقتضى الحال، أوهو التحسين والتزيين العرضي بعد تكميل دائرة الفصاحة والبلاغة.

ومن هذا العلم استخدام السجع، وهو نهاية كل جملة على حرف أو حرفين متطابقين، كقول الأعرابي عندما سئل عن دليل وجود الله فقال: البعرة تدل على البعير، وأثر الأقدام يدل على المسير، أَفَسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج ألا تدلان على الحكيم الخبير.

ومن هذا العلم أيضاً استخدام الطباق والجناس كقولك: تآلف المؤتلف، وتخالف المختلف، وتشابه المتشابه، وتعارض المتعارض...

قال التهانوي في( كشاف اصطلاحات الفنون): وأما منفعته فإظهار رونق الكلام، حتى يلج الآذان بغير إذن، ويتعلق بالقلب من غير كد، وإنما دونوا هذا العلم ، لأن الأصل وإن كان الحسنَ الذاتي، وكان المعاني والبيان مما لا يكفي في تحصيله، لكنهم اعتنوا بشأن الحُسْن العرضي أيضاً، لأن الحسناء إذا عَريت عن المزينات، ربما يذهل بعض القاصرين عن تتبع محاسنها، فيفوت التمتع بها.

ولاشك أن علوم البلاغة الثلاثة لا تنال بمجرد معرفة الاسم، أو مطالعة المبادئ، وإنما لابد للمرء من دراسة مستفيضة، واستماع عميق، ومعايشة ومعاشرة لكتب الأدب وخزائن العربية.

القرآن الكريم كتاب البلاغة الأم:

وليس ثمة أنفع للإنسان من دراسة القرآن الكريم دراسة لغوية بلاغية، لتحصيل علوم البلاغة، بل وعلوم العربية كلها، فضلاً عن الهداية والاسترشاد اللذين هما مقصودا القرآن الأول.

واستمع إلى قوله سبحانه: { وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء، وقضي الأمر، واستوت على الجود وقيل بعداً للقوم الظالمين } (هود/44) ثم انظر إلى الآية كيف حوت: أمرين، وخبرين، وبشارة، ودعاء.

أو أجل فكرك في قوله سبحانه: { إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون } (النحل/90) كيف جمعت الأمر بكل خير الدنيا والآخرة، على المستوى الفردي والجماعي ونهت عن كل الشرور الدينية والدنيوية، ثم ختمت ذلك بالتذكير ترغيبا وترهيبا.

كتب البلاغة:

وأول كتاب دون في علم البيان كتاب ( مجاز القرآن ) لأبي عبيدة تلميذ الخليل، ثم تبعه العلماء.

ولا يعلم أول من ألف المعاني بالضبط، وإنما أُثِر فيها كلام عن البلغاء، وأشهرهم الجاحظ في (إعجاز القرآن) وغيره.

وأول من دون كتباً في علم البديع ابن المعتز وقدامة بن جعفر...

وبقيت هذه العلوم تتكامل ويزيد فيها العلماء حتى جاء فحل البلاغة: عبد القاهر الجرجاني فألف في المعاني كتابه( إعجاز القرآن) وفي البيان كتابه (أسرار البلاغة) وجاء بعده السكاكي فألف كتابه العظيم ( مفتاح العلوم).

- تناول مبحث من مباحث علم البلاغة و تطوره مع نماذج له .

- تناول مبحث من مباحث علم البلاغة و تطوره مع نماذج له .
علم البلاغه له كثير من الموضوعات اللي يتناولها مثال الاستعارات بأقسامها (مكنيه تصريحيه وتمثيليه) التشبيه بأقسامه(مرسل-مجمل- مفصل) وكثييييير من الموضوعات

يعني تكلمي عن اي موضوع من هالمواضيع مثال الاستعاره بأقسامها :-


"
تقسيمات الإستعارة
التقسيم الأول: تنقسم الإستعارة بلحاظ حذف أحد طرفيها إلى قسمين:
1. الإستعارة التصريحية: و هي ما صُرّح فيها بلفظ المشبه به دون المشبه، كقوله تعالى: «اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ»(1)، حيث شبه الدين الحق بالصراط المستقيم بجامع(2) الإيصال الى الغاية، ثم حذف المشبه، و أبقى المشبه به. و كقول الإمام علي عليه‏السلام : «فإنّ الناس قد اجتمعوا على مائدة، شبعها قصير، و جوعها طويل»(3) حيث شبه الدنيا بالمائدة بجامع كونهما مجتمع اللذات، ثم حذف المشبه، و أبقى المشبه به.

1. الفاتحة : 6.
2. الجامع في الإستعارة هو وجه الشبه في التشبيه.
3. نهج البلاغة، الخطبة 21.

2. الإستعارة المكنية: و هي ما حذف فيها المشبه به، و رمز له بشيء من لوازمه. و إثبات لازم المشبه به للمشبه يسمى: «إستعارة تخييلية»، كقوله تعالى: «وَ إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ»(1)، حيث شبه الدعاء بشيء ممتد، و حذف المشبه به، و أبقى شيئاً من لوازمه و هو العرض و الاتساع، على سبيل الإستعارة بالكناية، و إثبات العرض للدعاء إستعارة تخييلية.
و كقوله عليه‏السلام : «فكأن قد علقتكم مخالب المنية»(2) حيث شبه المنية بالسبع بجامع اغتيال النفوس، ثم حذف المشبه به، و أبقى شيئاً من لوازمه و هو المخالب على سبيل الإستعارة المكنية و إثبات المخالب للمنية استعارة تخييلية.
التقسيم الثاني: تقسيمها باعتبار طرفيها من حيث اتصالها بالملائم و عدمه، إلى ثلاثة أقسام:
1. الإستعارة المطلقة: و هي التي خلت عن ملائم الطرفين، كقوله تعالى: «إِنَّا لَمّا طَغَى المَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِى الْجَارِيَةِ»(3)، حيث شبه زيادة الماء زيادة مفسدة بالطغيان، بجامع مجاوزة الحد في كل، ثم استعير لفظ المشبه به للمشبه على سبيل الإستعارة التصريحية، من دون أن يذكر ملائم لأحد الطرفين.
2. الإستعارة المرشحة: و هي المقرونة بما يلائم المستعار منه (المشبه به)، كقوله تعالى: «أُولئِكَ الَّذينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ»(4)، حيث استعير الاشتراء للاستبدال و الاختيار على سبيل الإستعارة التصريحية، ثم فرّع عليه ما يلائم المستعار منه من الربح و التجارة.

1. فصلت: 51.
2. نهج البلاغة، الخطبة 85.
3. الحاقة: 11.
4. البقرة: 16.

3. الإستعارة المجردة: و هي المقرونة بما يلائم المستعار له (المشبه)، كقوله تعالى: «فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الجُوعِ و الخَوْفِ»(1)، ففي الآية استعارتان:
الأولى: استعارة الإذاقة التي من شأنها أن تستعمل في المطعومات، للإصابة التي من شأنها أن تستعمل في الضرر و الألم الناشى‏ء عن الجوع و الخوف، على سبيل الإستعارة التصريحية.
الثانية: استعارة اللباس للأثر الحاصل من الجوع و الخوف(2)، أعني: الضرر، على سبيل الإستعارة التصريحية.
و الإستعارة الثانية ملائمة للمستعار له في الإستعارة الأولى و هو الإصابة، إلا أنها ملائمة له على سبيل المجاز دون الحقيقة.
و إنما عدل عن الترشيح إلى التجريد، مع أنّ الأول أبلغ ـ كما سيأتي ـ فلم يقل (كساها اللّه لباس الجوع و الخوف) أو (أذاقها اللّه طعم الجوع و الخوف)، لأن المراد من الآية إفادة أمرين:
1. أن العذاب أثّر في القرية غاية التأثير.
2. أنه كان شاملاً لجميع القرية.
و الإذاقة تدل على الأول دون الكسوة، و اللباس لكونه يعم البدن يشعر بالثاني، دون الطعم الذي يقصر التأثير على الفم(3).

1. النحل: 112.
2. قال في المجمع: سمي أثر الجوع و الخوف لباساً، لأن أثرهما يظهر على الإنسان كما يظهر على اللباس.
3. قال بعض شراح الكشاف أن هذا الكلام يستحق على علماء البيان أن يكتبوه بالتبر لا بالحبر. و قد وضحته بشكل لم يسبقني إليه احد.

تنبيهات متعلقة بالتقسيم السابق
الأول: لا يعتبر الترشيح و التجريد إلا بعد استيفاء الإستعارة لقرينتها، و لهذا لا تسمى قرينة التصريحية تجريداً، و لا قرينة المكنية ترشيحاً.
الثاني: الترشيح أبلغ من التجريد، فالإستعارة المقرونة بما يلائم المستعار منه، أبلغ من المقرونة بما يلائم المستعار له، و ذلك لأن الاستعارة ـ كما تقدم ـ مبنية على تناسي التشبيه، فإذا ذكر ما يلائم المشبه به دون المشبه، كان هذا موجباً لتقوية ذلك المبنى، فتشتد المبالغة في إدخال المشبه في جنس المشبه به.
الثالث: ذكر ما يلائم المستعار منه في الترشيحية، و ما يلائم المستعار له في التجريدية، أعم من أن يكون على نحو الحقيقة أو المجاز، كما مرت الإشارة إليه في مثال الإستعارة التجريدية.
التقسيم الثالث: تقسيمها باعتبار الجامع إلى قسمين:
1. الإستعارة العامية: و هي ما كان الجامع فيها ظاهراً، يعرفه كل واحد. و سميت عامية، لكونها مبتذلة، تذكر على ألسنة العوام، كاستعارة الأسد للشجاع، و البحر للعالم، و الصباح للوجه المشرق، و نحو ذلك من الإستعارات الظاهرة، التي تلوكها ألسنة العوام.
2. الإستعارة الخاصية: و هي الغريبة التي يكون الجامع فيها غامضاً، لا يطلع عليه إلاّ الخواص، و هم الذين أوتوا ذهناً ارتفعوا به عن طبقة العوام. و الغرابة التي تجعل الإستعارة منسوبة إلى الخواص تنشأ من أحد أمرين:
أحدهما: أن يكون التشبيه فيه نوع غرابة، كاستعارة التقطيع للتفريق في قوله تعالى: «وَ قَطَّعْنَاهُمْ فِى الأَرْضِ أُمَماً»(1)، فإنها استعارة تصريحية خاصية، منشأ الغرابة فيها راجع إلى غرابة التشبيه.
ثانيهما: أن يتصرف في الإستعارة العامية تصرفاً يخرجها عن الابتذال، كما في قوله تعالى: «و اشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً»(2)، فاستعارة الاشتعال للانتشار و الظهور إستعارة عامية، لكنه لما أسند الاشتعال الذي حقه أن يسند إلى الشيب، أسنده إلى الرأس، أورث الإستعارة دقة و غرابة، إذ أنه يريد أن يشعر أن الشعر الأبيض لكثرته، قد ملأ الرأس، بحيث انتقل وصف الشعر إلى الرأس، فصار كل جزء من الرأس مشتعلاً، و لو كان هناك شيء من الشعر لم يتصف بالوصف، لما صدق الاشتعال على الرأس.
و مما ينبغي أن يعلم في المقام، أنه يستحسن ألاّ تبعد الإستعارة جداً، فتعزب عن الفهم(3)، و لا تقرب جداً فتستبرد، و خير الأمور أوسطها.
التقسيم الرابع: تقسيمها باعتبار الإفراد و التركيب إلى قسمين:
1. الإستعارة المفردة: و هي الكلمة المستعملة في غير ما وضعت له لعلاقة المشابهة، أو قل: هي الإستعارة التي لا يكون أصلها تشبيه تمثيل. و علماء البلاغة جعلوا هذا القسم من الإستعارة مقسماً للتقسيمات السابقة.
2. الإستعارة المركبة: و هي المركب المستعمل في غير ما وضع له لعلاقة المشابهة، أو قل هي ما كان أصلها تشبيه تمثيل، و هو ما كان وجه الشبه فيه صورة منتزعة من متعدد. و يختص هذا القسم من الإستعارة باسم الإستعارة التمثيلية، بل إذا أطلق التمثيل لا يتبادر منه إلا هذا.

1. الاعراف: 168.
2. مريم: 4.
3. كما في قول يزيد بن مسلمة يصف فرساً بأنه مؤدب:

وَ إَذا احْتَبى قَرَبُوسَهُ بِعِنَانِهِ عَلَكَ الشّكِيمَ إلى انْصِرَافِ الزَائِرِ

و من أمثلتها في القرآن الكريم قوله تعالى: «وَ قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللّهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِم السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَ أَتَاهُمُ العَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ»(1)، حيث شبّه تعالى حال أولئك الماكرين في تسويتهم المكائد للإيقاع بالرسل عليهم‏السلام ، و في إبطاله تعالى لتلك الحيل، و جعله إياها أسباباً لهلاكهم، بحال قوم بنوا بنياناً، و عمروه بالأساطين، فأتى الهلاك من قبل أساطينه، بأن ضعضعت فسقط عليهم السقف فهلكوا، بجامع أنّ ما عدّوه، سبباً لنفعهم، عاد سبباً لاستئصالهم. فاستعيرت الهيئة الدالة على المشبه به، للّه‏يئة الدالة على المشبه، على سبيل الإستعارة التمثيلية. و من هذا الباب قول المتنبي:

وَ مَنْ يَكُ ذَا فَمٍ مُرٍّ مَرِيضٍ يَجِدْ مُرّاً بِهِ الماءَ الزُّلاَلاَ

حيث شبّه حال من يعيب شعره، لعيب في ذوقه الشعري، و ضعف في إدراكه الأدبي، بحال المريض الذي يصاب بمرارة في فمه، إذا شرب الماء العذب وجده مرّاً، ثم استعار التركيب الدال على المشبه به للمشبه، على طريقة الإستعارة التمثيلية.
و إذا اشتهرت الإستعارة التمثيلية، و كثر استعمالها، سميت مثلاً، فلا يجوز تغييره و الحالة هذه، بل يستعمل للمفرد و المذكر و فروعهما بطريقة واحدة، لأن الاستعارة هي لفظ المشبه به، المستعمل في المشبه، فلو غير المثل، لما كان لفظ المشبه به بعينه، فلا يكون استعارة، فلا يكون مثلاً، و هذا هو السر في قولهم الأمثال لا تبدل.
و من أمثلة ذلك قولهم في المحتاج الى شيء بعد تفريطه به: «الصيفَ ضيّعتِ اللبن»، و بيان الإستعارة في هذا المثل أن يقال: شبّه حال المحتاج الى شيء بعد تفريطه به، بحال المرأة التي كانت تحت شيخ غني، فتركته و تزوّجت شابّاً فقيراً، فأصابهما ضنك في الشتاء، فجاءت إلى زوجها الأول، تطلب منه لبناً، ثم استعير الكلام الموضوع للمشبه به للمشبه، فصار تمثيلاً.

1. النحل 26.

و كيفية إجراء الإستعارة في الأمثال عموماً، أن يقال: شبه المضرب ـ و هي الحالة الجديدة ـ بالمورد ـ و هي الحالة القديمة التي قيل فيها لأول مرة ـ ثم استعير الكلام الموضوع للمورد للمضرب، فصار تمثيلاً.
الإمام الحوفي هو على بن إبراهيم أبو الحسن الحوفي إمام فاضل، عالم بالنحو والتفسير من شبرا بحوف بلبيس
دخل
مصر وطلب العربية فقرأ على الإمام (محمد بن على بن أحمد أبو بكر الإدفوى) وطالع الكتب وتقابل مع جماعة من علماء المغرب وغيرهم وتصدر للإفادة في هذا الشأن.
صنف
إعراب القرآن في عشرة مجلدات والبرهان في تفسير القرآن ويبدو أنه أضاف إليه أجزاء أخرى تعرف بـ" البرهان في علوم القرآن" وأن هذه الإضافة في مجلدات أخرى قيل أنها الأولى في نوعها في هذا المضمار أى في مصطلح " علوم القرآن"، فقد جمع الحوفي شتات علوم القرآن ونسقها ورتبها في مؤلف واحد يقع في ثلاثين مجلدا مخطوطا نصفه محفوظ في دار الكتب المصرية ونصفه مفقود.
عرض الحوفي فيه للتفسير والإعراب والوقف والإبتداء والقراءات والأحكام وغيرها وبذلك أنشأ علما جديدا هو"
علوم القرآن" في القرن الخامس الميلادى الذى تمتد جذوره التاريخية إلى القرن الثانى الهجري في العصر العباسى الأول بداية التدوين العلميات الماشية هي أغلب الأموال الظاهرة " انتهى كلام الشيخ رحمه الله .

السبت، 15 مايو 2010

أنواع البيان عند الجاحظ

رسالة

موضوع: أنواع البيان عند الجاحظ الخميس مارس 25 2010, 09:14


أنواع البيان عند الجاحظ
20
يوليو , 2009
الكاتب: المحرر

الأستاذ: حميد قبايلي*



ملخص

إن الطبيعة الحقيقية للغة تكمن فقط فيما فيها من خلال فهم المعنى، و يلعب المعنى دورا كبيرا في مستويات التحليل اللغوي بدءا من التحليل الفونيمي، بل دورا كبيرا في تطبيقات كثيرة لعلم اللغة.وإذا كانت قضية المعنى قد تناولها في الأعوام الأخيرة علماء مختلفو الثقافة متنوعو الاهتمام و اشترك في مناقشتها الفلاسفة و المناطقة و الأنتربولوجيون،

و علماء النفس و دارسو الفن و الأدب، فإن علماءنا القدامى، كان لهم في حقل الدلالة أراء ثاقبة نقف عندها من خلال أراء الجاحظ الدلالية انطلاقا من كتابه (البيان و التبيين ) و سنتناول فيه:

-
مفهوم علم الدلالة في اللغة و الاصطلاح.

-
المدرسة البيانية عند الجاحظ.

و نختم بالتعرض بإيجاز شديد لمفهوم الدلالة عند أعلام اللغة بعد الجاحظ.

مفهوم علم الدلالة :

لم يعد علم الدلالة الآن في حاجة إلى من يدافع عن وجوده، ويبرهن بالأدلة القاطعة و البراهين الساطعة على ضرورته، و يبرز الاهتمام به، فقد تخطى هذه المرحلة منذ زمن و صار الآن يلقى الاهتمام والدراسة في كل أنحاء العالم بقدر ما تلقاه سائر علوم اللغة أو اللسانيات

1-
تعريفه :

أ- لغة :

جاء في المعجم الوسيط لفظ : "دل عليه و إليه، يدلّ دلالة: أرشد، و يقال: دلة على الطريق و نحوه: سدده إليه، أو أرشده إليه، فهو دال، و المفعول مدلول عليه و إليه، و الدلالة و الدلالة: الإرشاد، و تطلق الدلالة على ما يقتضيه اللفظ عند إطلاقه من معنى أو معان".

و في لسان العرب:

"
دله على الشيء يدله دلا و دلالة فاندل: سدده إليه، والدليل: ما يستدل به، و الدليل: الدال، و قد دله على الطريق يدله دلالة و دلالة و دلولة، والفتح أعلى. و الدليل و الدليلي: الذي يدلك. قال أبو عبيد: إني امرؤ بالطرق ذو دلالات.

و الجمع أدلة و أدلاء، و الاسم الدلالة بالكسر و الفتح، و الدلولة و الدليلي.

قال سيبويه: الدليلي علمه بالدلالة و رسوخه فيها و دللت بهذا الطريق: عرفته، و دللت به أدل دلالة، و أدللت بالطريق إدلالا و الدليلة، و المحجة البيضاء، و الدلال الذي يجمع البيعين و الاسم الدلالة و الدلالة ما جعلته للدليل أو الدلال"([1]).

و في أساس البلاغة للزمخشري :

"
دله على الطريق، و هو دليل المفازة، و هم إدلاؤها و أدللت الطريق، اهتديت إليه و دله على الصراط المستقيم"([2]).

ب- اصطلاحا :

يعرفه بعضهم بأنه: "دراسة المعنى"، أو "العلم الذي يدرس المعنى"، أو"ذلك الفرع من اللغة الذي يتناول نظرية المعنى"، أو "ذلك الفرع الذي يدرس الشروط الواجب توفرها في الرمز حتى يكون قادرا على حمل المعنى"([3]).

و قد أطلقت على هذا العلم عدة أسماء في اللغة الإنجليزية أشهرها الآن: كلمة (Semantics). و أما في اللغة العربية فبعضهم يسميه علم الدلالة، بفتح الدال و كسرها و بعضهم يسميه علم المعنى، و بعضهم يسميه "السيمانتيك" أخذا من الفرنسية أو الإنجليزية.

و المعنى: مجال ينجذب إليه كل المهتمين بدراسة الأحداث اللغوية من علماء اللسان و الفلسفة و علم النفس، و الأنتربولوجيا، و الأدب، و غيرهم.

و كل طائفة تقوم بدراسة المعنى و مشكلاته من وجهات نظر مختلفة.

-
فالفلسفة تتناول مشكلة المعنى في مبحث "نظرية المعرفة، أو الإبستيمولوجيا".

و هي تدخل إلى هذه المشكلة من مدخل العلاقة بين الألفاظ و المعاني، و طبيعة هذه العلاقة.

و المعنى في الفلسفة معنى عقلي و ذهني.

-
أما المعنى عند اللغويين (اللسانيين)، فهو علاقة اعتباطية عرفية يحددها الاتفاق الجماعي و هم يركزون اهتمامهم على "المعنى الوظيفي".

-
و علم النفس يهمه التكوين النفسي للفرد مثل: الإدراك، و دراسة السلوك اللغوي، و كيفية اكتساب اللغة، و طرق تعلمها.

-
أما الأدباء و النقاد فهم يهتمون بالوسائل الفنية في التعبير عن الفكر، و من ثم فهم يبحثون في الحقيقة و المجاز و الصور الفنية وغير ذلك.

كما أن الدراسة الدلالية لها تطبيقات كثيرة نراها في مجالات الطب النفسي و تعليم اللغات القومية و الأجنبية، و إعداد الخطب السياسية و تصميم الإعلانات التجارية

و يمكن حصر موضوع علم الدلالة بناء على ما تقدم في: "أنه كل شيء يقوم بدور العلامة أو الرمز. هذه العلامات أو الرموز قد تكون علامات على الطريق، أو تكون إشارة باليد أو إيماءة بالرأس، كما تكون كلمات و جملا، بعبارة أخرى، قد تكون علامات أو رموزا غير لغوية تحمل معنى كما تكون علامات أو رموزا لغوية".

المدرسة البيانية عند الجاحظ :*

قبل الخوض في تبيان أصول هذه المدرسة، لابد من التعرف على لفظة "بيان" في اللغة و الاصطلاح و مفهومها في القرآن الكريم .

أ‌- البيان لغة :

جاء في لسان العرب عند ابن منظور: "البيان ما يبين له الشيء من الدلالة و غيرها، و بان الشيء بيانا: اتضح، فهو بين.

و البيان: الفصاحة و اللسن، و كلام فصيح، و البيان: الإفصاح مع ذكاء، و البين من الرجال: الفصيح. و فلان أبين من فلان، أي أفصح منه، وأوضح كلاما، و رجل بين فصيح" ([4]).

و كلمة "بيان" تدور حول معنى الدلالة، والفصاحة و الوضوح، و الكشف و الظهور.

ب- البيان اصطلاحا:

"
أصول و قواعد يعرف بها إيراد المعنى بطرق يختلف بعضها عن بعض، في وضوح الدلالة العقلية على نفس ذلك المعنى" ([5]).

ج- البيان في القرآن الكريم :

وردت لفظة "بيان" في القرآن الكريم ثلاث مرات:

-
في قوله تعالى: « هذا بيان للناس و هدى و موعظة للمتقين » سورة آل عمران، الآية 138

و المعنى هنا: أن القرآن الكريم فيه بيان الأمور على جليتها.

-
في قوله تعالى: « الرحمان، علم القرآن، خلق الإنسان، علمه البيان» سورة الرحمان، الآيات 4،3،2،1.

قال الزجاج في تفسير قوله تعالى: "خلق الإنسان، علمه البيان": " قيل: الإنسان هنا: هو النبي – صلى الله عليه و سلم-، علمه البيان أي علمه القرآن الذي فيه بيان كل شيء، و قيل الإنسان:

آدم- عليه السلام- و علمه البيان: جعله مميزا عن جميع الحيوان ببيانه و تميزه"([6]).

وقوله تعالى: {ثم إن علينا بيانه} سورة القيامة، الآية 19.

قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: " أي بعد حفظه و تلاوته، نبينه لك، و نوضحه ونلهمك معناه على ما أردنا و شرعنا".

و في رواية ابن عباس و عطية العوفي: "ثم أن علينا بيانه": نبين حلاله و حرامه.

البيان عند الجاحظ:

جاء في كتاب (البيان و التبيين) في باب (البيان)، قول الجاحظ([7]) :

"
و على قدر وضوح الدلالة و صواب الإشارة، و حسن الاختصار، و دقة المدخل يكون إظهار المعنى، و كلما كانت الدلالة أوضح و أفصح، و كانت الإشارة أبين و أنور، كان أنفع و أنجع و الدلالة الظاهرة على المعنى الخفي هو البيان الذي سمعت الله – عز وجل- يمدحه و يدعو إليه و يحث عليه، بذلك نطق القرآن، و بذلك تفاخرت العرب، و تفاضلت أصناف العجم.

و البيان اسم جامع لكل شيء، كشف لك قناع المعنى، و هتك الحجاب دون الضمير حتى يفضي السامع إلى حقيقته، و يهجم على محصوله كائنا ما كان ذلك، و من أي جنس كان الدليل لأنه مدار الأمر و الغاية التي يجري إليها القائل و السامع، و إنما هو الفهم و الإفهام، فبأي شيء بلغت الإفهام و أوضحت عن المعنى، فذلك هو البيان في ذلك الموضع،…. و جميع أصناف الدلالات على المعاني من لفظ و غير لفظ خمسة أشياء لا تنقص و لا تزيد: أولها اللفظ ثم الإشارة ثم العقد، ثم الخط، ثم الحال التي تسمى نصبة.

و النصبة هي الحال الدالة التي تقوم مقام تلك الأصناف، و لا تقصر عن تلك الدلالات و لكل واحد من هذه الخمسة صورة بائنة من صورة صاحبتها، و حلية مخالفة لحلية أختها ".

فالبيان عند الجاحظ إذا هو: "اسم جامع لكل شيء كشف لك قناع المعنى، وهتك الحجاب دون الضمير، حتى يفضي السامع إلى حقيقته، و يهجم على محصوله، كائنا ما كان ذلك و من أي جنس كان ذلك الدليل، لان مدار الأمر و الغاية التي إليها يجري القائل و السامع، إنما هو: الفهم و الإفهام، فبأي شيء بلغت الإفهام، و أوضحت عن المعنى، فذاك البيان في ذلك الموضع"([8]).

قد تكون لفظة "بيان" من أكثر الألفاظ شيوعا عند الجاحظ، و بالأخص في كتبه، و قد توج بها عنوان ابرز كتبه في البلاغة و الأدب و نعني به كتاب "البيان و التبيين" و بالرغم من شيوعها و أهميتها و استئثارها بعنوان أشد مؤلفاته علاقة بالنقد و البلاغة، إلا أنها ظلت غائمة المدلول بعيدا عن التعريف و التحديد.

و من خلال تتبعنا لها في مختلف المواضيع، فقد استطعنا أن نحصر معناها في مفهومين:

مفهوم عام، و مفهوم خاص.

أ- مفهوم عام:

و تشير لفظ "بيان" إلى واقع التعبير عن معنى من المعاني بلغة ليست بالضرورة هي لغة الكلام، لكنها تتسع لتحيط بجميع وسائل التعبير الممكنة. و هكذا يكون مفهوم "البيان" من هذه الوجهة العامة، متجسدا بقول الجاحظ، يصح اعتبارها تعريفا أوليا به، جاء فيها: "و الدلالة الظاهرة على المعنى الخفي هو البيان… "([9]).

ب- مفهوم خاص:

غالبا ما يستعمل الجاحظ لفظة "بيان" للدلالة على بلاغة التعبير بلغة الكلام المقول، أو المدون وحدها دون سائر أشكال البلاغة في وسائل التعبير الأخرى. و من هنا فان المعنى الخاص لمفهوم "البيان" يقتصر عنده فقط على هذا المدلول وحده دون غيره، و يصبح هكذا مرادفا للفظة "بلاغة" التي يكرسها عند الحديث عن الأدب لهذا المدلول دون سواه.

أنواع الدلالات عند الجاحظ:

و إذا عدنا إلى المفهوم العام لكلمة "بيان" عند الجاحظ و الذي يعني "الدلالات الظاهرة على المعنى الخفي" و يمكن حصرها في خمسة أقسام: اللفظ، و الكتابة، و الإشارة و العقد و الحال أو النصبة.

إن كلمة "دلالة" في الاصطلاح اللغوي العام هي مصدر فعل "دل"" بمعنى "عين" و ""أشار" و أما الدلالة في الاصطلاح البياني فقد وجهها الجاحظ وجهة أخص مشيرا بها إلى العلامة التي بدونها لا يكون لحاجات الفكرة المستترة وجود ظاهر محسوس فالدلالة بالنسبة للمعنى:

هي إذا الإشارة الظاهرة التي بواسطتها يمكن تعيينه و تجسيده و قد تترادف عند الجاحظ كلمتا: الدلالة و الإشارة من هذه الناحية كما في قوله: "و كلما كانت الدلالة أوضح و أفصح و كانت الإشارة أبين و أنور، و كان أنفع و أنجع([10]).

أما "دلالات" جمع "دلالة"" فإنها تعني عند الجاحظ مختلف أنواع الإشارات المستخدمة لإبراز مضمون الفكر، أي مختلف الوسائل التعبيرية الممكنة" و جميع أصناف الدلالات على المعاني من لفظ و غير خمسة أشياء لا تنقص و لا تزيد، أولها اللفظ، ثم الإشارة، ثم العقد، ثم الخط ثم الحال التي تسمى نصبة"([11]).

1-
اللفظ: و هو إحدى الدلالات الخمس على المعاني، ميزة الإنسان و خاصته الأساسية التي بها يتحدد نوعيا و هي قدرته على الكلام و الإبانة عن نفسه بالألفاظ.

و يعتبر الجاحظ البيان باللفظ كالبصر، في حين أن من يعييهم الكلام عمي لا يبصرون "البيان بصر و العمي عمى" و في قول آخر نراه يقرن البيان بالعلم، فتارة يعتبر "البيان من نتاج العلم" و قد يعتبره ترجمان العلم و حياته و عماده. كما أن الجاحظ يجعل له الصدارة في الترتيب في حديثه عن الدلالات على المعاني.

2-
الخط أو التدوين:

و يعني به كتابة الكلام و تدوينه، و قد جعله في الترتيب تاليا للحفظ مباشرة.

و من فضائله عدا ما اختص به القران الكريم من ذكر و تعظيم، أن العلم هو أحد اللسانين على أن "القلم أبقى أثرا، و اللسان أكثر هذرا"([12]).

و من فضائله كذلك قدرة الإنسان على تصحيح كلامه و تنقيح لفظه في حين لا يستطيع شيئا من هذا مع وسيلة اللفظ "فاستعمال القلم أجدر أن يخص الذهن على تصحيح الكتاب من استعمال اللسان على تصحيح الكلام"([13]) .

و في حين أن "اللسان مقصور على القريب الحاضر"فان" القلم مطلق في الشاهد و الغائب"([14]).

و في حين أن اللفظ لا يتعدى نطاقا محدودا جدا من المكان و الزمان فان الخط يتجاوز هذا الحيز إلى مكان و زمان: "و الكتاب يقرا بكل مكان، و يدرس في كل زمان، و اللسان لا يعدو سامعه، و لا يتجاوزه إلى غيره"".

وهذا و للجاحظ في وصف الكتابة و الكتب أقوال مأثورة، و أوصاف هي من الدقة و الرهافة و حسن البيان ما يجعله في طليعة الذين كتبوا في هذا الغرض.

3-
الإشارة:

وهي عند الجاحظ، في الاصطلاح البياني "إحدى الدلالات الخمس على المعاني"([15]).

و قد كان لهذه الصفة عنده و عند غيره من البلاغيين اللاحقين معنى آخر يدخل في نطاق الجمالية الأدبية و بلاغة الإيحاء بالكلام الموجز.

وكون الإشارة لغة من لغات البيان فان أداتها من أعضاء الجسم: كالحواجب و الأجفان و الشفاه و الأعناق و الأيدي و قسمات الوجه و غير ذلك مما يعبر بالحركة عن حاجة النفس و مكنوناتها إلا أن أثرها لا يتجاوز حدود عين النظر، فهي مع اللفظ دون مرتبة البيان بالخط وفوق مرتبة ""العقد" كما سنرى وهي على ذلك كله ملازمة للبيان باللسان و متممة له لا سيما "الإشارة باليد، و مكثفة لأبعاده، و كاشفة لما لا يستطيع اللفظ أن يبوح بسره في حال من الأحوال"([16]).

وقد نال مفهوم ""الإشارة: خطوة من اهتمام البلاغيين القدماء كابي هلال العسكري حيث عرفه في كتابه ""الصناعتان" بقوله: "الإشارة أن يكون اللفظ القليل مشارا به إلى معان كثيرة بالإيماء إليها، و لمحة تدل عليها"([17]).

4-
العقد:

و هو البيان بالحساب. و قد ألم الجاحظ إلماما عابرا بهذه الوسيلة البيانية مذكرا بمنافعها بشكل إجمالي من غير تحديد أو تفصيل، منوها بقيمة الحساب و فضله، مشيرا إلى الخسارة الفادحة التي يمنى بها فاقد الـقـــدرة عليه "من جهل بعدد السنين و بمنازل القمر و حالات المــــــــد و الجزر"([18]).

و جل ما تستطيع إدراكه من كلام الجاحظ أن العقد ""هو الحساب دون اللفظ و الخط"([19]).

و أن منافعه كمنافع اللفظ و الخط " و أن في عدم اللفظ، و فساد الخط و الجهل بالعقد، فساد جل النعم، و فقدان جمهور المنافع… "([20]).

و مع ذلك يبقى مفهوم البيان بالعقد، علامة استفهام لا يجاب عنها بالأكثر مما أورده الجاحظ نفسه في هذا الغرض.

5-
النصبة أو الحال:

و في تعريف "النصبة" يقول الجاحظ في ""البيان والتبيين""* و أما النصبة فهي الحال الناطقة بغير اللفظ، و المشيرة بغير اليد، وذلك ظاهر في خلق السماوات و الأرض و في كل صامت و ناطق، و جامد و نام، و مقيم وظاعن و زائد و ناقص. فالدلالة التي في الموات الجامد، كالدلالة التي في الحيوان الناطق. فالصامت ناطق من جهة الدلالة، و العجماء معربة من جهة البرهان"([21]).

و من هنا فان "النصبة" هي ما توحي به الأشياء لعقل الناظر و ذهن المتبصر. و من حق هذه "الحال" أن يكون المرجع فيها تدبيرا عقليا ذاتيا، لا صفة موضوعية في الأشياء نفسها، ولعل هذا ما قصده صاحب المقولة: "سل الأرض فقل: من شق أنهارك و غرس أشجارك وجني ثمارك، فان لم تجبك حوارا، أجابتك اعتبارا"([22]).

و الاعتبار- كما لا يخفى- من استنتاج العقل وقدرته على الاستحياء و الإدراك، وهكذا تصبح "النصبة" أو الحال "وسيلة العقل إلى الاستبانة و الاستيضاح، و مما تجدر الإشارة إليه أن "النصبة" كمصطلح بياني لم تستقر على هذا المدلول إلا في كتاب البيان و التبيين، و أما في التصانيف السابقة، ككتاب "الحيوان" فإن المصطلح لم يكن قد تكون بعد، و إن يكن مفهومه محددا بكل دقة و معناه واضحا أتم الوضوح.

الدلالة بعد الجاحظ:

اهتم ابن جني (ت 392هـ) بدراسة العلاقة بين الألفاظ و المعاني و بيان المناسبة بينهما و كان التركيز الأول عنده على القيم الصوتية و الصرفية و دلالتها، فقال في الخصائص في باب إحساس الألفاظ أشباه المعاني: "هذا موضع شريف لطيف، و قد نبه إليه الخليل و سيبويه، و تلقته الجماعة بالقبول له و الاعتراف بصحته، قال الخليل: كأنهم توهموا في صوت الجندب استطالة و مدا فقالوا: صر، و توهموا في صوت البازي طيعا فقالوا: صرصر. و قال سيبويه في المصادر التي جاءت على الفعلان، أنها تأتي لاضطراب و الحركة، نحو: النقران و الغليان و الغثيان فقابـلوا بتوالي حركات الأمثال توالي حركات الأفعال".

وقد شرح ابن سينا(427هـ) العملية الدلالية اللغوية و دورها في عملية الاتصال على نحو يثير الفضول العلمي المعاصر اليوم، ذلك انه وقف على دقائق الأبعاد النفسية للدلالة اللغوية اعتمادا على درايته بعلم النفس و براعته في التحليل العقلي المقترن بالنزعة التشريحية، فكان اللغوي و الفيلسوف و الطبيب. يقول ابن سينا في كتابه "العبارة ص 04": "و معنى دلالة اللفظ أن يكون إذا ارتسم في الخيال المسموع ارتسم في النفس معنى، فتعرف النفس أن هذا المسموع لهذا المفهوم، فكلما أورده الحس على النفس التفتت إلى معناه.

وهذا الإمام أبو حامد الغزالي(ت505هـ) في كتابه (معيار العلم ص35) يفرد بحثا كاملا في هذا المجال لبيان رتبة الألفاظ في مراتب الوجود، فيقول: "اعلم أن المراتب فيما مقصده أربع، و اللفظ في المرتبة الثالثة.

1-
فإن للشيء وجودا في الأعيان.

2-
ثم في الأذهان.

3-
ثم في الألفاظ.

4-
ثم في الكتابة.

فالكتابة دالة على اللفظ، و اللفظ دال على المعنى الذي في النفس هو مثال موجود في الأعيان".

وهذا عبد القاهر الجرجاني(ت 471هـ) إمام الدلاليين العرب يقول في ( دلائل الإعجاز ص 45): "ليس على الغرض بنظم الكلم أن توالت ألفاظه في النطق، بل أن تناسقت دلالتها و تلاقت معانيها على الوجه الذي اقتضاه العقل".

ونختم بابن خلدون (ت808هـ) الذي يولي أهمية كبيرة للدرس اللغوي الدلالي بصورة مستقلة عن باقي العلوم الأخرى، يقول في مجال التعلم: "وهو معرفة الألفاظ و دلالتها على المعاني الذهنية… فلابد أيها المتعلم من مجاوزتك هذه الحجب كلها إلى الفكر في مطلوبك دلالة الكتابة المرصوفة على الألفاظ المقولة على المعاني المطلوبة ثم القوانين في ترتيب المعاني للاستدلال في قوالبها المعروفة في صناعة المنطق" ( المقدمة ص 504).